اعتاد مصطفي علي حياته منفردا.. لم يعد يشعر بالضيق من ابتعاد ابنه عنه واستقلاله بحياته.. كان يقدر له ظروفه القاسية التي جعلته يقضي معظم يومه في العمل لتدبير احتياجات زوجته وأولاده ويأتي لزيارته في يوم عطلته.
في بداية صراعه مع الوحدة كان مصطفي يشعر بأنها أشد قسوة عليه من العجز الذي ألم به في خريف عمره وجعله حبيس كرسي متحرك اثر شلل نصفي, ولكنه مع الوقت استطاع بإرادته أن ينتصر علي وحدته وعجزه ويصبح أقوي منهما فقد اعتاد علي أن يبدأ يومه بالذهاب لشراء إفطاره وطعام الغداء والعشاء مرة واحدة ثم يعود إلي البيت يقضي نهاره في إعداد طعام الغداء ثم يجلس أمام التليفزيون بعض الوقت وفي المساء يحضر عددا من جيرانه لزيارته والتسامر معه.
لم يكن مصطفي يفكر في أن حياته التي باتت تسير علي وتيرة واحدة سوف تنتهي فجأة ودون مقدمات. ففي صباح أحد الأيام جاء ابنه يحيي لزيارته كعادته كل أسبوع, ففوجئ به جثة هامدة غارقا في دمائه فتوجه علي الفور إلي رئيس مباحث قسم شرطة روض الفرج لتبدأ رحلة البحث والتحري لكشف غموض مقتل العجوز المريض. قام رئيس المباحث بإخطار اللواء مساعد وزير الداخلية ومدير أمن القاهرة بالواقعة, فتم علي الفور تشكيل فريق بحث أشرف عليه اللواء مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة, حيث تم وضع خطة تحر استهدفت علاقة المجني عليه مصطفي عفت إسلام(59 سنة) فني أشعة بالمعاش بجيرانه وأصدقائه,
وانتهت التحريات إلي أن ثلاثة أشخاص من منطقة طوسون بروض الفرج محل سكن المجني عليه قاموا بزيارته في صباح اليوم نفسه الذي عثر فيه نجله علي جثته. علي الفور تم زرع أكمنة سرية للمشتبه فيهم الثلاثة في المناطق التي دلت التحريات علي أنهم يترددون عليها حتي أمكن إلقاء القبض عليهم وبمواجهتهم اعترفوا تفصيليا بالجريمة. قال المتهم الأول عبدالله(28 سنة) عاطل ومسجل خطر مخدرات وسبق ضبطه في14 قضية إنه كان يمر بضائقة مالية فاتفق مع صديقيه خالد(38 سنة) مسجل خطر مخدرات وسبق ضبطه في7 قضايا ومحمد(24 سنة) حاصل علي ثانوية عامة, علي قتل جارهم العجوز المقيم بشارع فخر الدين المتفرع من شارع طوسون والاستيلاء علي متعلقاته المادية. وضع الأصدقاء الثلاثة خطتهم للتخلص من العجوز وقامت علي استغلال علاقتهم به فقد اعتادوا في الفترة الأخيرة التردد عليه والتودد له بدعوي مساعدته وإحضار احتياجاته الشخصية بدافع الجيرة.
وفي صباح يوم الجريمة طرق أحد الأصدقاء الباب علي الرجل العجوز الذي استيقظ علي طرقات الباب وما ان فتح لهم حتي أخبروه بأنهم حضروا لزيارته وسؤاله إن كان في حاجة لشيء من الشارع.
لم يشك الرجل في جيرانه ودعاهم للدخول وأغلق خلفهم الباب, لكنه فوجئ بأحدهم وقد انهال علي رأسه بقطعة خشبية عبارة عن رجل طبلية أحضرها خصيصا لذلك حتي سقط غارقا في دمائه.
واعترف المتهم الثاني بأنه قام بعد ذلك بإحضار سكين وطعن به المجني عليه العجوز عدة طعنات حتي يتأكدوا من وفاته. وقال المتهم الثالث إنه خلال ارتكاب الجريمة كان يقوم بمراقبة الباب والشارع حتي لا يشعر بهم أحد, وبعد ذلك اشترك معهم في البحث عن أموال.. وقال في اعترافاته إنهم عندما دخلوا الشقة طلبوا من المجني عليه إقراضهم50 جنيها فرفض متعللا بأنه لا يملك مالا.
واستطرد المتهم الثالث في اعترافاته قائلا: ساعتها عرفنا أنه يجب علينا البحث عن أي أجهزة ذات قيمة في الشقة فقمنا بالاستيلاء علي هاتف المجني عليه المحمول وجميع الأجهزة الكهربائية داخل الشقة.
تم تحرير محضر بالواقعة وأحيل المتهمون إلي النيابة التي باشرت معهم التحقيق وقرر المتهمون في اعترافاتهم أمام النيابة أنهم توجهوا بالمسروقات إلي أحد أصدقائهم وأخفوا لديه المسروقات أما التليفون المحمول فقد باعوه لشخص يدعي وديع وأرشدوا عنه وعن المسروقات, حيث تم إحضارها وتعرف عليها نجل المجني عليه. أجرت النيابة معاينة لمسرح الجريمة, حيث تبين أن الجثة وجدت مسجاة علي ظهرها بأرضية الصالة بكامل ملابسها وبها إصابات عبارة عن جروح طعنية بالرقبة وكدمات بالرأس والوجه وعثر بجوار الجثة علي قطعة خشبية سميكة عبارة عن رجل طبلية استخدمها الجناة في ارتكاب الجريمة, كما عثر علي السكين الملوث بالدماء الذي طعنوه به. قام المتهمون بتمثيل كيفية ارتكابهم الجريمة فقرر المحقق حبسهم4 أيام علي ذمة القضية مع مراعاة التجديد في الموعد القانوني وانتداب الطبيب الشرعي لإجراء الكشف الطبي علي الجثة وتشريحها ووضع تقرير مفصل عن أسباب الوفاة.